إسرائيل تقتل الراوي وتغتال الرواية

2025-08-27
الرابعة نيوز_سعدية عبيد: في ظلّ الحرب المستمرة على قطاع غزة، لم يقتصر الاستهداف الإسرائيلي على المدنيين والبنية التحتية، بل امتد ليطال الصحفيين الفلسطينيين، حاملي الحقيقة وناقلي الصورة، إلى درجة أن عدد الشهداء منهم بلغ 246 صحفيًا منذ بداية العدوان. هذا الرقم يكشف حجم المخطط الممنهج لإسكات الصوت الفلسطيني، واغتيال الراوي حتى تُغتال الرواية ذاتها.

يرى الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أن استهداف الصحفيين الفلسطينيين يعكس رغبة إسرائيل في التحكم المطلق بالسردية؛ فهي تريد أن ترتكب المجازر والإبادات وتُمارس التهجير القسري، ثم تقدم للعالم روايتها الخاصة، بعد تغييب الشهود الحقيقيين. 

ويؤكد عوض أن تغييب الكاميرا والصوت الفلسطيني جزء من الحرب الإعلامية والسياسية والمعنوية التي تخوضها إسرائيل، حيث تدرك جيدًا أن الصورة والخبر والشاهد عناصر أساسية في تشكيل الرأي العام، ولذلك تحرص على منع دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، وفي الوقت نفسه تعمل على التشكيك بمصداقية الصحفي الفلسطيني أمام المجتمع الدولي. 

ويشير عوض إلى أن استمرار هذا النهج ناجم عن غياب المحاسبة الدولية؛ فحتى اليوم لم تُعاقب إسرائيل أو تُنبذ من المنظمات الأممية والمهنيةو النقابية ، مما يمنحها ضوءًا أخضر لمواصلة جرائمها. كما أن اللوبيات الصهيونية وحلفاءها في العالم يوفّرون لها غطاءً واسعًا للتملص من المسؤولية. 

ولا يتوقف الاستهداف الإسرائيلي عند الصحفيين، بل يمتد إلى المستشفيات والمراكز الطبية والدفاع المدني، وهو ما يعتبره عوض ضربًا مباشرًا للحياة المدنية. فالمستشفى ليس مجرد مبنى طبي، بل رمز للحضارة والحفاظ على صحة الإنسان، واستهدافه يعني السماح بانتشار المرض وتدمير البيئة الصحية للمجتمع بأكمله. وبذلك، يصبح قصف المستشفيات جزءًا من استراتيجية تدمير المدينة والإنسان معًا. 

بين اغتيال الصحفيين وقصف المستشفيات، يتضح أن إسرائيل تخوض حربًا متعددة الأوجه، لا تستهدف البشر فقط، بل الحقيقة والذاكرة والمدينة أيضًا. إنها حرب على الإنسان وصحته وصوته، حرب على الرواية الفلسطينية التي تحاول أن ترى النور رغم كل محاولات الطمس والتغييب.

وقت آخر تعديل: 2025-08-27 09:13:03