وزارة الصناعة… الوزارة الصامتة في زمن الحاجة

2025-09-09
الرابعة نيوز_محمد العويوي - في لحظة يشتدّ فيها الخناق على المنتج الوطني وتتبدّل فيها خريطة الأسواق وفرص التصدير، تبرز ملاحظة متكررة لدى أصحاب المشاريع والمصانع: غياب دور واضح وفاعل لوزارة الصناعة كحلقة وصل ومُنظّم سياسات وصوت يدافع عن المصنّعين داخل الحكومة.

هذا التقرير يعالج أداء الجهاز المؤسسي بعيدًا عن التشهير، مسلطًا الضوء على المشاكل الأساسية التي ترافق عمل الصناعات، وفي المقابل يرصُد إنجازات ملموسة تستحق الإبراز والدعم.

لمحة عامة على الوضع الصناعي الراهن

أظهرت بيانات رسمية لجهاز الإحصاء المركزي ارتفاعًا في الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي خلال تموز 2025 بنسبة ملحوظة مقارنة بشهر حزيران، ما يعكس محاولة قطاعية لاستعادة مستويات الإنتاج رغم الصعوبات. ومع ذلك، تظل مساهمة الصناعة في الناتج المحلي تتذبذب وتواجه ضغوطًا متواترة، لا سيما بعد تقلّص مساهمتها خلال السنوات السابقة بفعل انكماش أنشطة البناء والتصدعات في سلاسل الإمداد.

أهم مشاكل الصناع

1. قيود الحركة والوصول إلى الأسواق والمواد الخام

تعتمد نسبة كبيرة من المصانع الفلسطينية، خصوصًا المصدّرة منها، على سلاسل توريد تمر عبر إسرائيل او الأردن أو تعتمد على أسواق إسرائيلية لتصريف منتجاتها. القيود الأمنية والحدود والتقلب في إجراءات العبور أثرت على القدرة التصديرية، وزادت من تكلفة الشحن والتأمين وأطالت زمن الوصول إلى العملاء والمواد الخام. تقرير (ماس) رصد فقدان أسواق وارتفاع تكاليف الشحن وتوقف الصادرات في مناطق مثل غزة وشمال الضفة الغربية.

وقال رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية، روبين الجولاني ، أن الحصار المفروض على مدن الضفة الغربية وغزة، وضعف القوة الشرائية، وفقدان أسواق كقطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وعدم انتظام سلاسل التوريد، أثر سلباً على الانتاج الصناعي بشكل عام.

وأردف في حديثه:" هذه الظروف تدفع للبحث عن أسواق جديدة، وهي مسؤولية مشتركة بين القطاع الخاص من جهة والحكومة ممثلة بوزارات الخارجية والاقتصاد والصناعة، من جهة ثانية، الأسواق الجديدة، تُنعش وتُنمي الصناعة الوطنية..

2. بطء الإجراءات البيروقراطية (خاصة استرداد الضرائب والاعادات الضريبية)

المصدرون يشتكون من تأخّر صرف الاعادات الضريبية وعمليات الاسترداد التي من المفترض أن تتم خلال فترات محددة، ما يضغط على سيولة الشركات ويزيد من الإرباك المالي. هذا التأخر يُعد عقبة فنية ومالية تُضعف قدرة المصنعين على الاستمرارية والاستثمار. تقارير اقتصادية من البنك الدولي تشير إلى أن البيروقراطية في إجراءات المالية تؤدي إلى تأخير استحقاقات المصنّعين.

ويرى رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية، روبين الجولاني: "هناك دور هام للحكومة، وعليها الالتزام به، واتخاذ تدابير مشجعة ومحفزة لتصدير منتجاتنا الى الخارج، ومن هذه التدابير: الاعادات الضريبية للمصدرين في موعدها، حيث من المفترض ان يتم ذلك في غضون 45 يوماً، أما اليوم فإنها وبسبب الاجراءات البيروقراطية في وزارة المالية، فقد يتم ذلك في غضون أشهر، ويجب ان يتدخل وزير الصناعة، الذي يُمثل صوت الصناع، ويضغط على وزير المالية لتسريع المعاملات المتأخرة التي تتراكم منذ شهور وسنوات".

وعلق صاحب مصنع على ذلك: "الاسترداد الضريبي، هو حق لنا وليس “منّة" من الحكومة، نحن نعاني من أزمة مالية، والاسترداد الضريبي سيساهم بشكل من الأشكال في حل الأزمة المالية

3. محدودية سياسات صناعية واضحة وتنسيق حكومي ضعيف

غالبية المراقبين والصناعيين يشيرون إلى افتقاد رؤية موحدة وخطة استراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى للصناعة، لا سياسات محفزة واضحة للتصدير، ولا برامج وقائية وقت الأزمات، ولا تنسيق مع وزارات أخرى (الخارجية، المالية، النقل) لتسهيل الدخول للأسواق الجديدة أو حماية سلاسل التوريد. هذه الثغرة تحول التعاطي مع المشكلات إلى ردود فعل فردية من الشركات بدلاً من إجراءات منظّمة تدعم القطاع ككل.

الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية وجّه مؤخراً رسالة رسمية إلى رئيس الحكومة محمد مصطفى، طالب فيها بعقد لقاء عاجل لمناقشة القضايا الصناعية الملحّة. إلا أنّ الرد لم يصل، لا من رئاسة الوزراء ولا من وزارة الصناعة، التي يُفترض أن تكون الصوت الأول والمدافع عن الصناعيين.

يقول أحد أصحاب المصانع (فضّل عدم الكشف عن اسمه): "نحن لا نبحث عن تصريحات إعلامية، بل عن موقف فعلي. نواجه تحديات كبيرة في الإنتاج والتوزيع، ولا نشعر أن هناك من يتبنى هموم هذا القطاع أو يدافع عنه داخل الحكومة." ويضيف: "التخوف الحقيقي هو أن تتسع فجوة الثقة بين الحكومة والقطاع الصناعي، وهو ما سينعكس سلباً على فرص التعافي الاقتصادي."

4. ارتفاع تكاليف المدخلات (طاقة، أعلاف، مواد أولية) وضغوط على الأسعار

ارتفاع أسعار الطاقة، أعلاف الحيوان لمصانع الألبان، والمواد الأولية يزيد من تكاليف الإنتاج ويحتم على المصنّعين رفع أسعارهم أو تقليص الإنتاج. هذا يضع قطاعًا مثل الألبان أمام معادلة صعبة: المحافظة على الحصة السوقية وتحمّل تكاليف إضافية أو خسارة هوامش الربح.

5. قيود السوق الداخلي/خارجي نتيجة فقدان أسواق (غزة/شمال الضفة) وتراجع القوة الشرائية

حالات الإغلاق الجزئي للقطاعات، انخفاض القوة الشرائية المحلية، وفقدان أسواق تقليدية مثل قطاع غزة أو مناطق أخرى نتيجة الأزمات تؤدي إلى ضعف الطلب وركود في مخزون المصانع أو نزول في الإنتاج. دعت (ماس) في تقريرها لجهود تسويق حكومية تُساعد على إيجاد بدائل سوقية.

6. صعوبات التمويل والوصول إلى سيولة تشغيلية

المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كثيرًا ما تعاني للحصول على قروض بشروط معقولة أو خطوط تمويل لتغطية دورات التشغيل الموسمية، خاصة في أوقات تقلب الطلب أو تأخر تحصيل الاستحقاقات. في تقريرها عن القطاع المالي في فلسطين اشارت (جايكا) إلى محدودية الحلول التمويلية الملائمة للمصانع الصغيرة.

إنجازات قطاعية بارزة تستحق التوثيق والدعم

1. صناعة الحجر — «الذهب الأبيض» وتصدير ناجح إلى عشرات الدول

صناعة الحجر الفلسطيني أثبتت قدرتها على تحويل مورد محلي إلى سلعة تنافسية في مشاريع إقليمية ودولية؛ خلال السنوات الأخيرة صدر قطاع الحجر إلى أكثر من 70 دولة، وحققت قطاعات الحجر مساهمة واضحة في عائدات التصدير على الرغم من العقبات التشغيلية والبيئية والتنقل. هذا الإنجاز يُظهر قدرة صناعية متخصصة جديرة بالاستثمار والسياسات الداعمة.

2. قطاع الألبان — تغطية حصص كبيرة من السوق المحلي وتحسين القدرات الإنتاجية

مصانع الألبان الفلسطينية طورت شبكات إن عن القطاع المالي في فلسطين تاج وتعبئة وتوسعت مع تزايد قدرات المصانع المتوسطة والكبيرة؛ تقارير محلية تشير إلى أن منتجات الألبان المحلية تستحوذ على حصة كبيرة من السوق (نطاق 70–85% وفق التقديرات الإحصائية وتقارير محلية متقطعة)، ما يعكس قدرة قطاعية على تلبية جانب كبير من الطلب الداخلي رغم الضغوط على مدخلات الإنتاج. هذه حقيقة يجب استثمارها عبر دعم اللوجستيات وجودة المنتج والتصدير المدروس.

ويأمل مشهور أبو خلف وهو مدير عام لأكبر شركة منتجات للالبان في فلسطين، بأن يقوم وزير الصناعة، بزيارة مصنعه بناء على الدعوات التي وجهت له. وقال: " كنا ولا زلنا نأمل بأن يكون هناك دور محوري ورئيسي لوزير الصناعة في التخفيف عن كاهل الصناعيين هذه الاعباء التي أثقلتنا كثيرا"

3. مرونة بعض المصانع الصغيرة والمصدّرة — نماذج ناجحة رغم القيود

هناك شركات ومصانع متخصصة (بما في ذلك مشاريع حرفية ومصانع غذائية ومُنتجات حرفية) نجحت في الوصول لأسواق خارجية متباينة بفضل جودة المنتج وتحسين اللوجستيات الخاصة بها، ما يُظهر إمكانيات نموّ متاحة إذا ما توفّرت شروط وسياسات داعمة كما جاء في تقرير وكالة رويترز عن الصناعات الفلسطينية

4. تحسّن مؤقت في الإنتاج الكمي (تموز 2025) كدلالة على قابلية التعافي

الزيادة المسجلة في مؤشر الإنتاج الصناعي لشهر تموز 2025 تُعدّ دليلاً على أن المصانع قادرة على الاستجابة للطلب المتأخر واستئناف العمل، ولكن هذه المكاسب تحتاجُ إلى صيانة عبر سياسات تحفيزية ومؤازرة لتتحول إلى تعافٍ مستدام. بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ارتفع الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي بنسبة 14.34% في تموز 2025 مقارنة بحزيران. ووفق التقرير، قادت الصناعات التحويلية هذا الارتفاع بزيادة 16.01%، فيما ارتفعت أنشطة التعدين واستغلال المحاجر بنسبة 4.73%.

لكن نصار نصار، رئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، يرى أن هذه الأرقام "لا تعني أن القطاع تجاوز أزماته"، موضحاً أن الزيادة قد تكون مرتبطة بمحاولات فردية من المصانع لتلبية طلب متأخر، دون وجود إسناد حكومي ممنهج.

توصيات مهنية

1. إعلان موقف واستراتيجية مؤقتة واضحة: إصدار بيان يفصّل إجراءات طارئة (آليات صندوق سيولة، تسريع استرداد الضرائب للمصدرين، فريق طوارئ للتنسيق مع المالية والخارجية).

2. تفعيل قنوات التواصل القطاعي: اجتماعات دورية مع اتحادات الصناعة لرفع قضايا عاجلة وخريطة الأولويات (تصدير، أعلاف، طاقة).

3. تسريع إجراءات الاعادات الضريبية: تنسيق مع وزارة المالية لوضع آلية مؤقتة لتسريع صرف المستحقات للمصدرين خلال 45 يومًا كما تنص اللوائح أو أقل.

4. خطة مساعدة للصناعات الاستراتيجية: دعم مالي ولوجستي لقطاعات الحجر والألبان والمعدنية لتوسيع الأسواق الخارجية وتحديث خطوط الإنتاج.

5. خريطة بدائل سوقية: دمج جهود وزارة الخارجية والسفارات ومكاتب التصدير لتأمين أسواق بديلة وتقليل الاعتماد على سوق أو مسار وحيد.

النقد المؤسسي لا يعفي من الدور، والصمت لم يعد خيارًا

القطاع الصناعي الفلسطيني يمرّ بمرحلة حرجة بين نجاحات قطاعية ملموسة وجهود فردية لثبات الإنتاج، وبين عقبات مؤسسية وبيروقراطية تقلّص فرص التعافي. التحدّي يتطلب من الجهاز الوزاري المعني الظهور الرسمي، الإعلان عن خطة واضحة، والتنسيق الفعّال مع الوزارات الأخرى والقطاع الخاص. النقد هنا مؤسسي وموضوعي — الهدف أن تعود الوزارة إلى واجبها كراعية وميسرة وممثلة لمصالح الصناعيين، لا أن تكون غائبة عن ساحات القرار والتمثيل.






وقت آخر تعديل: 2025-09-09 15:05:27