شباب غزّة... مشاريع حياة لا مشاريع شهادة

2025-11-08
الرابعة نيوز_غزة_سعدية عبيد : يحاول كثيرون أن يختصروا الحكاية الفلسطينية في مشهد الدم والموت، وأن يصوّروا الفلسطيني على أنه خُلق ليُقتل، وكأن الحياة عنده مجرّد طريقٍ إلى الشهادة.
لكن الحقيقة مختلفة. فالفلسطيني ليس عاشقًا للموت، بل عاشقٌ للحياة التي تُسلب منه في كل لحظة، ويقاوم من أجل أن يبقى على قيدها رغم كل ما حوله.

في غزّة، حيث الدمار يحيط بكل زاوية، ينبض جيلٌ كامل بالحلم.
هنا، في هذه الرقعة الصغيرة المحاصرة منذ أكثر من 19 عامًا، لا يموت الفلسطيني لأنه يبحث عن الموت، بل لأنه يبحث عن الحياة وسط عالمٍ يضيّق عليه كل سُبلها.
الشباب في غزّة ليسوا مشاريع شهادة كما يُروّج البعض، بل مشاريع حياة أُجبرت على الصمود في وجه المستحيل.

في كل بيتٍ دُمّر، كان هناك حلم صغير لفتاةٍ كانت تجهّز مشروع تخرّج، أو شابٍ كان يؤسس عمله الأول.
في كل شارعٍ قُصف، كانت هناك حياة تُمارَس بكل بساطة: ضحكة طفل، خطوات عجوز، أو صوت أمٍ تُعدّ الغداء لأبنائها.
هذه التفاصيل التي تبدو عادية في أي مكان، تصبح في غزّة إنجازًا يوميًا يعادل معجزة.

الحياة كفعل مقاومة

في واقعٍ يُصادر فيه الأمل، يصبح التمسك بالحياة شكلًا من أشكال المقاومة.
أن تستيقظ في غزّة لتبدأ يومًا جديدًا رغم القصف، أن تفتح نافذتك وتتنفس رغم الغبار، أن تزرع شجرة في أرضٍ أُحرقت، أو تكتب نصًا في مكانٍ فقد اللغة — كل ذلك هو فعل حياة، وفعل تحدٍ في وجه الموت.

الشباب هنا لا ينتظرون الحرب كي يُذكَروا، ولا يطمحون لأن يُختصروا في صور الشهداء.
هم يسعون لبناء مستقبل، لتأسيس مشاريع صغيرة، لإكمال دراساتهم، ولعيش حياةٍ تشبه حياة أي إنسان في هذا العالم.
لكن طريقهم إلى ذلك مليء بالعقبات التي تبدأ من الحصار، ولا تنتهي بالدمار المتكرر.

فلسطينيون يحبّون الحياة

يحبّ الفلسطيني الحياة بكل تفاصيلها البسيطة: قهوة الصباح، شمس البحر، موسيقى تعلو من راديو قديم، جلسة عائلية في ليلة كهرباء نادرة.
يحبّها رغم أن كل شيء حوله يدفعه لليأس، ورغم أن كل حلمٍ في هذه المدينة مهدد بالانطفاء في أي لحظة.

إن حبّ الحياة في غزّة ليس ترفًا، بل قرار.
قرار بالتمسك بالإنسانية وسط عالمٍ يحاول تجريدهم منها.
قرار بالاستمرار رغم كل ما يُفقد، وبالإصرار على أن الموت ليس قدرًا، بل واقعًا يُقاوَم.

بين أنقاض المدن تولد الحياة

من بين الأنقاض تولد القصص.
من مدارس مهدمة، تنبثق دروس في خيام.
من بيوتٍ سويت بالأرض، تُبنى من جديد بالإرادة.
من العتمة، تخرج أغانٍ وابتسامات، ومن الحصار تُخلق مساحات إبداع لا تنتهي.

هكذا يعيش شباب غزّة، لا كأبطالٍ خارقين، بل كأناسٍ عاديين يحاولون النجاة والبقاء.
يحلمون بوطنٍ يمكن أن يُعاش فيه لا أن يُمات لأجله، وبغدٍ لا يشبه الأمس ولا يتكرر فيه صوت الطائرات فوق رؤوسهم.

الفلسطيني لا يطلب الموت، بل يُجبر عليه.
وليس عاشقًا للدم، بل مَن فُرض عليه أن يعيش وسطه.
لكن رغم كل ذلك، يصرّ على أن يثبت للعالم أن في هذه الأرض من يحبّ الحياة أكثر مما يتخيلون.

في غزة، الحياة ليست مجرّد حق… إنها معركة يومية.
ومع كل فجرٍ جديد، يثبت شبابها أن الفلسطيني ليس مشروع شهادة، بل مشروع حياة — حياة تُبنى من الألم، وتزهر رغم الرماد.
image.png 216 KB



وقت آخر تعديل: 2025-11-08 08:21:13