غرق خيام النازحين … مأساة تتكرر بلا نهاية

2025-11-14
الرابعة نيوز _غزة_سعدية عبيد : في غزة، يتحول الشتاء عامًا بعد عام إلى كابوس ثقيل، لكنه هذا العام يبدو أشد قسوة. فمجرد احتمال سقوط المطر أصبح مصدر خوف دائم، وكأن كارثة جديدة تنتظر أن تنكشف مع أول قطرة. ومع أن الأمطار الأولى التي هبطت فوق المخيمات لم تكن غزيرة، إلا أنها كانت كافية لإغراق الخيام، وتمزيق ما تبقى من الأغطية المتهالكة، ولتُظهر هشاشة المأوى الذي يعيش داخله آلاف النازحين منذ شهور طويلة.
لم يكن المنخفض الجوي قويًا، ولا المطر كثيفًا، لكن الضرر كان فادحًا، وكأن السماء نفسها لا تحتاج سوى لمحاولة بسيطة لتُعرّي حجم  مأساة الناس. 
خيام مهترئة تسقط أمام أمطار خفيفة 
مع أول خيط مطر، بدأت الخيام التي أصابها التلف بفعل الشمس  والرطوبة تتسرب من كل اتجاه. المياه زحفت إلى داخل الفراش، تجمعت على الأرضية الترابية، وحاصرت العائلات في مساحات ضيقة لا تتسع لمعاناتهم.
لم يحتمل القماش الرقيق ثقل الأمطار الخفيفة، ولم يستطع غطاء النايلون الممزق صد الماء ولو لبعض الوقت. 
الأطفال استيقظوا على صوت التنقيط داخل الخيام، بعضهم يرتجف من البرد، وآخرون يحاولون نقل الملابس والفرش إلى أماكن جافة، فيما كانت الأمهات تتسابق مع الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تغرق الخيمة بالكامل. 
ولم تقف المأساة عند المياه وحدها؛ فالخيام التي بالكاد تحجب الشمس في الصيف، لا تحمي من برد الشتاء بأي شكل.
الفتحات الصغيرة في الجوانب تتحول إلى ممرات للرياح الباردة، التي تلسع الأجساد طوال الليل، بينما تحاول العائلات الاتكاء على بطانيات رطبة لا تمنح دفئًا ولا أمانًا. 
الخيمة التي يُفترض أنها مأوى مؤقت، لا توفر أي شعور بالاستقرار. إنها مجرد قطعة قماش ضعيفة أمام شتاء قاسٍ، واحتياجات إنسانية تتجاوز ما يستطيع هذا المأوى الهش تقديمه. 
مخيمات تتحول إلى مستنقعات 
خلال ساعات فقط، تغيّر المشهد داخل المخيمات بشكل كامل.
الطرقات الضيقة المليئة بالخيام تحولت إلى مستنقعات طينية يصعب السير فيها. كل خطوة تحتاج إلى جهد، وكل محاولة للانتقال من خيمة إلى أخرى تُعرض النساء والأطفال للانزلاق والسقوط. 
ازدادت صعوبة الوصول إلى الحمامات المشتركة، وتعطلت الحركة داخل المخيمات ، وارتفعت احتمالات انتشار الأمراض بسبب البلل المستمر، البرد القارس، والنظافة المتدهورة. 
محاولات يائسة لحماية ما تبقى 
ورغم قسوة الظروف، لا خيار أمام النازحين سوى المقاومة.
خرج الرجال تحت المطر لتثبيت الأعمدة الخشبية، وإغلاق الثقوب بقطع قماش قديمة، وحفر قنوات صغيرة لتمرير المياه بعيدًا عن الخيام.
النساء حاولن تجفيف البطانيات تحت أي شعاع شمس يظهر، وأعدن ترتيب الخيمة مرارًا في محاولة للعثور على بقعة جافة تسع الأطفال. 
أما الأطفال، ورغم البرد والطين، حاولوا تحويل المساحات الموحلة إلى ساحة لعب. لكن وجوههم المرتجفة تكشف أن هذا الفرح هشّ، لا يصمد طويلًا أمام برد الشتاء. 
شتاء ثقيل ينتظر غزة 
الطقس ليس مختلفًا هذا العام، لكن ظروف الناس أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
الخيام غير مجهزة، والبنية الأساسية للمخيمات ضعيفة، والناس منهكون بعد شهور من النزوح المتواصل. ومع كل نقطة مطر، تتسع الفجوة بين الحاجة الحقيقية والإمكانيات المتوفرة. 
الحياة في غزة لم تعد تشبه الحياة. إنها معركة نجاة تُخاض كل يوم ضد الحرّ في الصيف، و البرد في الشتاء، نقص الغذاء، غياب الماء الصالح، وانعدام المأوى الآمن.
ومع أولى أمطار الموسم، عاد المشهد ذاته: خيام تغرق، أطفال يرتجفون، وعائلات بلا بديل. 
المأساة لا تحتاج إلى منخفض جوي شديد… يكفي خيط مطر واحد، وخيمة مهترئة. 
فصول المعاناة تتغير، لكن الألم واحد… والنجاة ما زالت محاولة يومية لا يعرف النازحون غيرها.

وقت آخر تعديل: 2025-11-14 18:10:37