الرابعة نيوز_غزة_سعدية عبيد : لم تتجاوز ساعات المطر القليلة التي رافقت المنخفض الجوي الأخير، لكنها كانت كفيلة بأن تكشف هشاشة واقع آلاف النازحين في غزة، الذين وجدوا أنفسهم غارقين داخل خيام ممزقة لا تصلح للاحتماء من رذاذ، فكيف بعاصفة؟ وبينما كانت العائلات تزيل المياه المتدفقة إلى داخل خيامها بوسائل بدائية، برز سؤال أكبر من حجم المطر ذاته:
أين ذهبت الخيام التي دخلت غزة؟ ولماذا ظهرت في الأسواق بدلًا من أن تصل إلى النازحين؟
فوضى مسؤوليات… وغياب رقابة
عملية إدخال وتوزيع الخيام لا تخضع لجهة واحدة. فهي موزعة بين جهات رسمية، ومؤسسات محلية، وجمعيات إغاثية تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى. هذا التشتت خلق فراغًا رقابيًا واسعًا، وفتح الباب أمام استغلال واضح في بعض مراحل إيصال المساعدات.
شهود عيان أكدوا أن شاحنات عديدة دخلت محمّلة بالخيام والشوادر، إلا أن جزءًا كبيرًا منها لم يصل مطلقًا إلى العائلات النازحة، بينما ظهر قسم منها في الأسواق بأسعار مرتفعة، والقسم الأقل فقط وصل إلى مستحقيه.
تجارة تحت غطاء “المعونة الإنسانية”
الخيام التي يفترض أن تُوزّع مجانًا بدافع الإغاثة تحولت إلى سلعة باهظة الثمن. عرضت الخيام بأسعار تفوق قدرة النازحين على شرائها، رغم أنها مساعدات إنسانية مقدمة لإغاثة النازحين.
وجود هذه الخيام في الأسواق يشير إلى عملية تسريب منظمة من إحدى حلقات سلسلة التوزيع؛ سواء من المخازن أو نقاط التسليم أو أثناء النقل.
ورغم خطورة الأمر، لم تصدر أي جهة معنية بيانًا شفافًا يوضح:
كمية الخيام التي دخلت،
أين تم تخزينها،
كم منها سُلم،
ومن يتحمل مسؤولية ضياع الباقي.
خيام متهالكة… ونازحون بلا مأوى حقيقي
حتى تلك الخيام التي وصلت إلى الناس، كثير منها كان ضعيفًا، مكشوفًا أو ممزقًا، وبعضها تضرر بسبب التخزين الطويل أو الجودة المتدنية. لم تتحمل هذه الخيام أمطارًا خفيفة ، فغرقت العائلات في لحظات، مما يطرح سؤالًا مقلقًا:
كيف ستصمد أمام منخفضات أشد وقسوة الشتاء المقبلة؟
أسئلة بلا إجابات: أين اختفت الشاحنات؟ ومن استلم الكميات؟
وفق معلومات متداولة محليًا، دخلت غزة كميات كبيرة من الخيام عبر مؤسسات عربية ودولية. لكن في ظل غياب الشفافية، بقيت الأسئلة مفتوحة:
أين خُزنت الكميات؟
من الجهة التي استلمتها؟
ما هي آلية التوزيع؟
كيف تسربت إلى الأسواق؟
ولماذا لم تُسلم للعائلات رغم التحذيرات من المنخفض الجوي؟
هذه الأسئلة تحتاج إلى تحقيق رسمي وفتح سجلات الاستلام والتوزيع أمام الجمهور.
غياب المحاسبة… والكارثة تتكرر مع كل مطر
كل منخفض جوي يتحول إلى كارثة إنسانية لأن نظام الرقابة على المساعدات غير فعّال. العمل الإغاثي ما زال عشوائيًا وغير موحد، ما يجعل المساعدات تصل إلى مناطق معينة وتحرم مناطق أخرى، ويترك آلاف الأسر دون حماية.
لو كانت هناك رقابة صارمة لما تراكمت الخيام في الأسواق، ولما ظل النازحون تحت المطر.
ردود المؤسسات الإغاثية: "الكميات غير كافية"
بعض المؤسسات سارعت إلى نفي أي تقصير عبر بيانات على صفحاتها الرسمية، مؤكدة أن:
الكميات التي تدخل غير كافية لحجم الكارثة،
وأنها توزع وفق آليات منظمة،
وأن بعض العائلات تبيع ما تستلمه من خيام أو شوادر بسبب حاجتها الماسة للمال.
لكن هذه التبريرات لا تجيب عن سؤال التسريب الكبير للسوق، ولا تفسر وجود كميات ضخمة من الخيام الجديدة معروضة للبيع.
من يحمي النازحين من المطر… ومن الفساد؟
منخفض خفيف كشف الأزمة. أمطار قليلة أغرقت المخيمات.
أما الخطر الحقيقي فهو في منظومة كاملة فشلت في الوصول إلى الإنسان الذي يفترض أنها وُجدت من أجله.
الناس اليوم لا يبحثون فقط عن خيمة تقيهم المطر، بل عن:
حقيقة واضحة، ومحاسبة شفافة،
وإجابات عن مصير المساعدات التي اختفت في الطريق.
ويبقى السؤال الأكبر:
من المسؤول عن تحويل خيام النازحين إلى تجارة… وعن ترك الناس في العراء؟