الرابعة نيوز_في شهادة إنسانية مؤثرة، يكشف الدكتور محمد عبد الجواد البطة، الباحث الفلسطيني المتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر، عن حجم الكارثة التي لحقت بالمجتمع الأكاديمي في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، والتي وصفها بأنها "واحدة من أكثر الحروب بشاعة في التاريخ الحديث".
الدكتور البطة، الحاصل على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى عام 2016، والمختص بقضية الأسرى الفلسطينيين، تحدث عن تأثير الحرب على الكينونة والأمان والاستقرار، مؤكداً أن "الحرب لم تؤثر على الكاتب فقط، بل على الإنسان الذي يحمل الكاتب في داخله".
يقول الدكتور البطة: "نزحنا من منزلنا في غزة إلى خانيونس ثم إلى رفح، فالمواصي، تحت القصف، دون أن نأخذ شيئًا معنا. عندما عدنا، كانت مكتبتي - التي تحتوي على وثائق تاريخية نادرة - قد دمرت بالكامل، كما دُمر المنزل والشقة ومحتوياتها من أبحاث ومقابلات ودراسات جاهزة للنشر".
و يشير إلى أن الحرب لم تدمر البنية التحتية فقط، بل دمرت أيضًا "البيئة العلمية والفكرية، التي تشكل الحاضنة الأساسية لأي باحث"، مضيفًا: "كنا نقف في طوابير طويلة من أجل شربة ماء أو قطعة خبز أو شحن بطارية الهاتف، وكل ذلك على حساب وقت العمل والإنتاج الأكاديمي".
"الكتابة مقاومة"
رغم ظروف النزوح والدمار، لم يتوقف الدكتور البطة عن الكتابة، بل يصفها بأنها "الملجأ الأخير والأقرب إلى روحي"، مؤكدًا أن "الكاتب في حقل العلوم الإنسانية يصبح جزءًا من الذاكرة الجمعية لشعبه، ويصف المأساة، ويحذر منها، ويكشف المتاجرين بها".
ويضيف: "الحرب كشفت لنا وجوهاً استغلت ظروف الناس، فظهرت ظواهر مثل الاحتكار والربا الفاحش. مهمتنا كأكاديميين أن نكون صوت الضمير، في مواجهة المستفيدين من معاناة الناس".
مأساة بحجم وطن
في شهادته، يستذكر البطة مواقف إنسانية موجعة، مثل اكتشاف استشهاد صديقه الدكتور أحمد عبر رسالة من زوجته، أو فقدان معارف وأقارب في مجازر جماعية. ويقول: "في هذه الحرب، لم نعد نودع أحبائنا. بعضهم استشهد دون أن نعرف، وبعضهم دفن دون جنازة، وآخرون فقدنا جثامينهم".
دعوة لإنشاء منصة توثيق
ويؤكد الدكتور البطة ضرورة "إنشاء منصة رقمية ومؤسسة علمية توثق بالصوت والصورة والبحث أحداث الحرب على غزة، حفاظًا على الذاكرة الوطنية، وكشفًا لجرائم الإبادة أمام المجتمع الدولي"، داعيًا إلى تحرك مشترك بين الباحثين والمؤرخين ومؤسسات المجتمع المدني.
صوت فلسطين الأكاديمي
قبل الحرب، كان الدكتور البطة ممثلاً لفلسطين في محافل دولية عديدة، وشارك في مؤتمرات علمية ونشر دراسات في دول عدة مثل مصر، العراق، تونس، الجزائر، تركيا، وماليزيا. لكن الحرب عطلت التواصل الأكاديمي وأضعفت فرص النشر والمشاركة الدولية.
ويختم بالقول: "الحرب جرفت كل شيء: المدن، الذاكرة، الأمان، حتى اللغة باتت عاجزة عن وصف معاناة الناس في قطاع غزة . لكننا نكتب بالعقل والمنطق، لنحمل مسؤوليتنا تجاه الرواية الفلسطينية، ونقول للعالم: أوقفوا الحرب، فهنا شعب يستحق الحياة".