اتفاقية "بال تريد – غرفة الرياض" بين تعزيز الحضور التجاري الفلسطيني… وإعادة طرح سؤال التمثيل الاقتصادي

2025-12-01
الرابعة نيوز_ تقرير معا – أعاد توقيع اتفاقية التعاون بين مركز التجارة الفلسطيني "بال-تريد" وغرفة الرياض في المملكة العربية السعودية فتح نقاش واسع داخل أوساط القطاع الخاص الفلسطيني.

فبينما تعتبرها "بال- تريد" خطوة عملية لتسهيل دخول المنتجات الفلسطينية إلى السوق السعودي، ترى جهات أخرى، وعلى رأسها الغرف التجارية، أنها تتجاوز الإطار القانوني للتمثيل الاقتصادي الخارجي الذي ينظم علاقة فلسطين مع الأسواق الدولية.

فبالرغم من أن مراجعة الإطار القانوني الفلسطيني والأعراف الدولية تشير إلى أنه لا يوجد في التشريعات الفلسطينية ما يمنع الشركات الخاصة أو المؤسسات غير الحكومية من توقيع اتفاقيات تعاون أو خدمات مع جهات خارجية، سواء كانت مؤسسات حكومية أو شبه حكومية أو غرفاً تجارية أجنبية، طالما أن الاتفاقيات تقتصر على تقديم خدمات فنية أو لوجستية أو معلوماتية ولا تتضمن أي ادّعاء بصفة تمثيلية رسمية عن دولة فلسطين أو عن القطاع الخاص الفلسطيني ككل.

فالقانون الفلسطيني، بما في ذلك قانون الشركات وقانون التجارة والنظام الداخلي للمؤسسات الخاصة، يتيح للمؤسسات الخاصة إبرام عقود تعاون وشراكات اقتصادية مع جهات في أي دولة، ما دام النشاط يدخل ضمن اختصاصها وترخيصها ولا يخالف النظام العام.

أما قانون الغرف التجارية والصناعية رقم (9) لسنة 2011 فيحدّد صلاحيات التمثيل المؤسسي الخارجي للقطاع الخاص الفلسطيني، ويمنح هذه الصلاحية للغرف التجارية واتحادها، وهو ما يعني أن المنع القانوني لا يتعلق بتوقيع اتفاقيات خدمات، بل يتعلق حصراً بمنع أي جهة من إضفاء صفة التمثيل الرسمي على نفسها دون ولاية قانونية.

وبالتالي، فإن الاتفاقيات الفنية والخدمية التي تبرمها المؤسسات الخاصة مع نظرائها في الخارج تبقى قانونية ومسموحاً بها، بينما تظل الاتفاقيات ذات الطابع التمثيلي أو التي تحمل صفة رسمية عامة محصورة في الجهات المخولة قانوناً مثل الغرف التجارية ووزارتي الاقتصاد والخارجية.

تأتي هذه الاتفاقية -"بالتريد" مع غرفة الرياض- في وقت تتسارع فيه التحركات الرسمية الفلسطينية باتجاه السعودية، وفي ظل توقعات بإطلاق مجلس أعمال فلسطيني-سعودي، ما يجعل السؤال أكثر إلحاحًا حول كيفية إدارة العلاقة الاقتصادية بين البلدين بصورة موحّدة ومنسّقة.

السوق السعودي… فرصة كبيرة وصادرات محدودة

تظهر البيانات التجارية أن حضور المنتجات الفلسطينية في السوق السعودي ما يزال ضعيفًا مقارنة بحجم السوق نفسه.

بحسب البيانات الرسمية السعودية، بلغت الواردات الفلسطينية من المملكة نحو 88 مليون دولار في 2024، بينما لم تتجاوز الصادرات الفلسطينية 8 ملايين دولار. هذا الفارق الكبير يعكس ضعف النفاذ الفلسطيني المباشر إلى السوق السعودي، رغم وجود قطاعات تمتلك قدرة تنافسية مثل الأغذية الزراعية، والصناعات الخفيفة، والحرف.

وتشير ملاحظات خبراء التجارة الدولية إلى أنّ العقبات الرئيسية تكمن في تعقيد سلاسل التوريد، وغياب المعلومات المحدثة عن الأنظمة السعودية، وارتفاع تكاليف الامتثال للمواصفات، والقيود المرتبطة بالمنطقة الجمركية الفلسطينية.

وقد أكد تقرير البنك الدولي حول التجارة الفلسطينية أنّ البنية التجارية في فلسطين تعاني من قيود لوجستية وبنيوية تحدّ من قدرة المنتج الفلسطيني على التصدير المستقر والمنظم.

من هنا، برزت الحاجة إلى مبادرات تفتح قنوات حديثة للسوق السعودي، سواء عبر التمثيل الرسمي أو من خلال خدمات فنية ولوجستية تساعد الشركات على تجاوز عقبات الدخول.

الاتفاقية محل الجدل… ما الذي تقدمه بالتريد؟

يؤكد رئيس مركز التجارة الفلسطيني "بالتريد"، إبراهيم برهم، أن الاتفاقية تأتي في إطار خطة إستراتيجية للتوسع في الأسواق الخليجية، وأنها تستهدف (توفير خدمات مباشرة للشركات الفلسطينية داخل السعودية)، بما في ذلك تزويد الشركات بمعلومات حديثة حول لوائح وأنظمة السوق السعودي. وشرح متطلبات هيئة الغذاء والدواء السعودية واشتراطات التسجيل. بالإضافة الى توفير بيانات دقيقة عن العرض والطلب وفرص دخول منتجات جديدة. كل ذلك عن طريق تشغيل موظفين فلسطينيين مقيمين في السعودية لتقديم خدمات فنية ولوجستية.

ويشير إلى أن السعودية تبدي (استعداداً كبيراً) لتطوير التعاون التجاري، خصوصاً مع اقتراب الإعلان عن مجلس الأعمال الفلسطيني - السعودي.

وتشير المؤشرات الى ان الاتفاقية جاءت لسد فجوة واضحة، وهي غياب ملحق اقتصادي فلسطيني في السفارة الفلسطينية بالرياض، الأمر الذي يجعل الشركات الفلسطينية تستغرق سنوات للحصول على المعلومات ذاتها التي ستصبح متاحة عبر الاتفاقية.

اعتراض من الغرف التجارية… (تجاوز للصلاحيات القانونية)

من الجهة المقابلة، عبّر نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة محمد زيد النبالي عن اعتراض واضح على توقيع الاتفاقية، معتبراً أنها (تجاوز لدور الغرف التجارية واتحادها)، وهي الجهة المخوّلة قانونيًا بتمثيل القطاع الخاص الفلسطيني بموجب قانون الغرف التجارية والصناعية رقم (9) لسنة 2011 الذي ينص على أن "الغرف واتحادها هي الممثل الرسمي والوحيد للتجار والصناع أمام الجهات الرسمية المحلية والخارجية".

وبحسب الغرف، فإن توقيع أي مذكرة تعاون ذات بُعد تمثيلي مع مؤسسة اقتصادية خارجية يجب أن يتم عبر اتحاد الغرف وليس عبر مؤسسة غير تمثيلية مثل "بالتريد"، التي صُمّمت أساساً لتقديم خدمات دعم فني للشركات وليس لتمثيلها رسميًا أمام الدول.

ويحذر مسؤولون في الغرف من أنّ مثل هذه الخطوات "قد تخلق ازدواجية في التمثيل، وتربك الجانب السعودي حول الجهة المخولة بتمثيل القطاع الخاص الفلسطيني".

أنصار الاتفاقية يعتبرون أنّ "بالتريد" لا تقدّم تمثيلاً سياسياً أو رسمياً، بل "خدمات فنية ولوجستية تساعد الشركات على الامتثال للوائح"، وهذا -بحسبهم- لا يتعارض مع اختصاصات الغرف.

أما معارضو الاتفاقية فيردّون بأنّ الخدمة الفنية شيء… والتوقيع مع جهات خارجية شيء آخر فالجهة التي توقّع اتفاقيات تعاون مع غرف تجارية لدول أخرى تصبح بحكم الأمر الواقع "ممثلاً تجارياً". مشددين على أن القانون الفلسطيني واضح بان اتحاد الغرف التجارية الصناعية هو الجهة التي تمتلك (شخصية دولية اقتصادية) تسمح له بإبرام اتفاقيات تمثيلية. محذرين أيضا بان التعدد المؤسسي يضعف الموقف الفلسطيني في السعودية فتعدد القنوات (الحكومة – بالتريد – الغرف) يجعل عملية التواصل مع السعودية أكثر تعقيداً.

هذا الانقسام يعكس نقاشًا أعمق حول طبيعة البنية الاقتصادية الفلسطينية فهل يحق لجهات فنية توقيع اتفاقيات دولية؟ أم يجب أن يبقى هذا الدور حصراً للغرف التجارية؟

السعودية… هيكل اقتصادي ثلاثي يحدد آليات التعامل الخارجي

لفهم حساسية الملف، من المهم تفصيل البنية الاقتصادية السعودية التي تتعامل معها الجهات الفلسطينية:

1. القطاع الحكومي الرسمي ويشمل وزارات ومؤسسات سيادية مثل وزارة التجارة، وزارة الصناعة والثروة المعدنية، وزارة الاستثمار، هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، هيئة الغذاء والدواء، وهيئة المواصفات والمقاييس والجودة

2. القطاع شبه الحكومي (شبه مستقل) ويضم كيانات لها دور كبير في النشاط الاقتصادي، مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الهيئة العامة للتجارة الخارجية، برنامج "صُنع في السعودية" والمركز الوطني للتخصيص.

3. القطاع الخاص المؤسسي ويمثله اتحاد الغرف السعودية، الغرف التجارية الصناعية (ومنها غرفة الرياض) والشركات العائلية والكبرى.

في هذا السياق، الغرف التجارية السعودية لا تتعامل عادة إلا مع نظرائها الرسميين في الدول الأخرى - وهذه النقطة هي جوهر المعترضين الفلسطينيين فهل تعتبر غرفة الرياض "بالتريد" نظيراً رسمياً؟ أم تعتبر الغرف التجارية الفلسطينية هي الجهة المناظرة؟ وهل الاتفاقية تعطي "بالتريد" صلاحيات تمثيلية ام هي مجرد اتفاقية تقديم خدمات مدفوعة للراغبين فيها من القطاع الخاص الفلسطيني؟

تحركات رسمية فلسطينية موازية… دون إشراك كافٍ للقطاع الخاص؟

في الفترة التي كانت فيها الغرف التجارية الفلسطينية تنتقد الاتفاقية، كانت الحكومة الفلسطينية تتحرك بخطوات متسارعة نحو تعزيز العلاقة الاقتصادية مع السعودية. فقد شارك وزير الصناعة الفلسطيني عرفات عصفور في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، والتقى وزير الصناعة السعودي بندر الخريف، والرئيس التنفيذي لهيئة (مدن) ماجد العرقوبي، وجرى بحث تطوير المدن الصناعية الفلسطينية والاعتراف المتبادل بشهادات المطابقة والبنية التحتية للجودة والتحضير لمذكرة تفاهم صناعية مشتركة.

كما قام رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى بزيارة رسمية إلى الرياض لحضور مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، ما عُدّ فرصة للتواصل الاقتصادي، ورغم ان هذه الجهود منصبة في علاقات حكومية او شبه حكومية الا ان الغرف التجارية ترى أن غياب ممثلي القطاع الخاص والغرف التجارية عن الزيارة يثير تساؤلات حول آليات التنسيق الفلسطينية.

تُظهر متابعة الملف وجود ثلاث مسارات فلسطينية نحو السعودية، المسار الحكومي - الوزارات، وزارة الاقتصاد، وزارة الصناعة، وزارة الخارجية-. مسار المؤسسات الفنية - مثل "بالتريد" التي تعمل على تقديم الخدمات الفنية والترويج للصادرات -ومسار الغرف التجارية والاتحاد- المخوّلون قانونياً بالتمثيل التجاري الخارجي.

غياب التنسيق بين هذه القنوات الثلاث يؤدي إلى تضارب مبادرات، اختلاف مرجعيات، وتشتّت في التمثيل أمام الجانب السعودي.

الحاجة إلى تمثيل اقتصادي رسمي في الرياض

يشير مراقبون إلى أن غياب ملحق تجاري فلسطيني في السفارة بالرياض ترك فراغاً ملحوظاً، دفع جهات أخرى مثل "بالتريد" لملء هذا الفراغ عبر موظفين يعملون في السعودية لتقديم خدمات مدفوعة للشركات الفلسطينية.

ويرى الخبراء أن هذا الوضع يتطلب من الخارجية الفلسطينية تعيين ملحق اقتصادي يقوم بـالتواصل مع وزارة التجارة السعودية، تمثيل الشركات الفلسطينية بشكل رسمي، توفير المعلومات الاقتصادية الرسمية وتنسيق المبادرات بين الحكومة والغرف والقطاع الخاص. وجود هذا التمثيل قد ينهي الإشكاليات ويعيد ترتيب البيت الداخلي ضمن صيغة واضحة وموحدة.

تحليل الفرص والتحديات — رؤية شاملة ومحايدة

السوق السعودي هو أحد أكبر الأسواق العربية وقادر على استيعاب منتجات فلسطينية متعددة. مما يجعله فرصة مميزة للاقتصاد الفلسطيني وإذا اضفنا الى ذلك رؤية السعودية 2030 فذلك يفتح أبواباً جديدة للتعاون في الغذاء والزراعة، التطوير العقاري والإنشاءات، المنتجات الحرفية واليدوية والمنتجات التقنية. وفي حال إنشاء مجلس أعمال فلسطيني – سعودي فذلك قد يحقق نقلة حقيقية في تعزيز التجارة والاستثمار.

اما التحديات فتتمثل في ضعف التمثيل الفلسطيني الموحد يضاف اليها غياب الملحق التجاري الفلسطيني في السفارة الفلسطينية بالرياض مع التعدد المؤسسي داخل فلسطين والقيود اللوجستية وهيكل الاقتصاد الفلسطيني واختلاف القوانين والجهات المخوّلة بالتوقيع والتمثيل.

الخلاصة

تفتح اتفاقية (بالتريد – غرفة الرياض) باباً واسعاً للنقاش حول شكل التمثيل الاقتصادي الفلسطيني، في وقت تتسع فيه الفرص داخل المملكة العربية السعودية لاستقبال منتجات واستثمارات فلسطينية.

فالحكومة تسعى الى توقيع اتفاقيات حكومية تدعم العلاقات المستقبلية وتوفير فرص للاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. و "بالتريد" تسعى الى توفير خدمات لوجستية وفرصة للاستفادة المالية مقابل هذه الخدمات. أما الغرف التجارية فهي تناضل لحصر التمثيل فيها وفقا للقانون دون تقديم اية مبادرات واضحة.

ويبقى السؤال هنا هل بادرت الغرف التجارية واتحادها لعمل اتفاقيات تجارية مع نظرائها في الدول العربية عموما ومنها السعودية وقوبلت بالرفض او الاعتراض أم ان الغرف فقط تقتصر على الاعتراض. وهل كانت اتفاقية بالتريد بدعم من جهات سيادية فلسطينية ام كفاءة طواقمها لاستغلال الفرص كما بادر عشرات رجال الاعمال الفلسطينيين لفتح مكاتب خدمات مشابهة في الصين مثلا.

لكنّ بكل الأحوال فان مستقبل العلاقة التجارية الفلسطينية–السعودية سيظل مرتبطًا بقدرة الفلسطينيين على توحيد مرجعيات التمثيل الاقتصادي، وإرساء آليات واضحة للتنسيق بين الحكومة والغرف التجارية والمؤسسات الفنية.

فالنفاذ إلى السوق السعودي لا يتوقف فقط على اجتياز المواصفات والجمارك… بل يمرّ أيضاً عبر اجتياز اختبار التنظيم الداخلي الفلسطيني نفسه.





وقت آخر تعديل: 2025-12-01 12:00:50